الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ شَرَّ مَا دَبَّ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ، الَّذِينَ يَصَمُّونَ عَنِ الْحَقِّ لِئَلَّا يَسْتَمِعُوهُ، فَيَعْتَبِرُوا بِهِ وَيَتَّعِظُوا بِهِ، وَيَنْكُصُونَ عَنْهُ إِنْ نَطَقُوا بِهِ، الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَيَسْتَعْمِلُوا بِهِمَا أَبْدَانَهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ}، قَالَ: "الدَّوَاب"، الْخَلْقُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: وَكَانُوا يَقُولُونَ: "إِنَّا صُمٌّ بُكْمٌ عَمَّا يَدْعُو إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ، لَا نَسْمَعُهُ مِنْهُ، وَلَا نُجِيبُهُ بِهِ بِتَصْدِيقٍ!" فَقُتِلُوا جَمِيعًا بِأُحُدٍ، وَكَانُوا أَصْحَابَ اللِّوَاءِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}"، قَالَ: الَّذِينَ لَا يَتَّبِعُونَ الْحَقَّ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}، وَلَيْسَ بِالْأَصَمِّ فِي الدُّنْيَا وَلَا بِالْأَبْكَمِ، وَلَكِنْ صُمُّ الْقُلُوبِ وَبُكْمُهَا وَعُمْيُهَا! وَقَرَأَ: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 46]. وَاخْتَلَفَ فَيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهَا نَفَرٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُون"، نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، لَا يَتَّبِعُونَ الْحَقَّ. قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَنْقُلُونَ}، قَالَ: لَا يُتَّبَعُونَ الْحَقَّ قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِهَا الْمُنَافِقُونَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}، [أَيِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَكُونُوا مَثْلَهُمْ، بُكْمٌ عَنِ الْخَيْرِ، صُمٌ عَنِ الْحَقِّ، لَا يَعْقِلُونَ]، لَا يَعْرِفُونَ مَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنَ النِّقْمَةِ وَالتِّبَاعَةِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَأَنَّهُ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ، لِأَنَّهَا فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَفِي مَعْنَاهَا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهَا الْمُشْرِكُونَ. وَقَالَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ لَوْ رَزَقَهُمُ اللَّهُ الْفَهْمَ لَمَا أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِى حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ}، لَقَالُوا: {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا}، [سُورَةُ يُونُسَ: 15]، وَلَقَالُوا: {لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 203]، وَلَوْ جَاءَهُمْ بِقُرْآنٍ غَيْرِهِ {لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}، قَالَ: لَوْ أَسْمَعَهُمْ بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَا خَيْرَ فِيهِمْ، مَا انْتَفَعُوا بِذَلِكَ، وَلَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ. وَحَدَّثَنِي بِهِ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ: " {لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ}"، بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَا خَيْرَ فِيهِمْ، مَا نَفَعَهُمْ بَعْدَ أَنْ نَفَذَ عِلْمُهُ بِأَنَّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهَا الْمُنَافِقُونَ. قَالُوا: وَمَعْنَاهُ مَا:- حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ}، لَأُنَفِّذُ لَهُمْ قَوْلَهُمُ الَّذِي قَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَلَكِنَّ الْقُلُوبَ خَالَفَتْ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَلَوْ خَرَجُوا مَعَكُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ، مَا وَفَوْا لَكُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا خَرَجُوا عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي مَا قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ زَيْدٍ، لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنَ الْعِلَّةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ صِفَةِ الْمُنَافِقِينَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِي هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ خَيْرًا، لَأَسْمَعَهُمْ مَوَاعِظَ الْقُرْآنِ وَعِبَرَهُ، حَتَّى يَعْقِلُوا عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حُجَجَهُ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِمْ، وَأَنَّهُمْ مِمَّنْ كُتِبَ لَهُمُ الشَّقَاءُ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ أَفْهَمَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يَعْلَمُوا وَيَفْهَمُوا، لَتَوَلَّوْا عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ، وَهُمْ مُعْرِضُونَ عَنِ الْإِيمَانِ بِمَا دَلَّهُمْ عَلَى صِحَّتِهِ مَوَاعِظُ اللَّهِ وَعِبَرُهُ وَحُجَجُهُ، مُعَانِدُونَ لِلْحَقِّ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِلْإِيمَانِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}، قَالَ: أَمَّا "مَا يُحْيِيكُم"، فَهُوَ الْإِسْلَامُ، أَحْيَاهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، بَعْدَ كُفْرِهِمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: لِلْحَقِّ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {لِمَا يُحْيِيكُمْ}، قَالَ: الْحَقُّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}، قَالَ: الْحَقُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَكَّامٌ قَالَ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}، قَالَ: لِلْحَقِّ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: إِذَا دَعَاكُمْ إِلَى مَا فِي الْقُرْآنِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}، قَالَ: هُوَ هَذَا الْقُرْآنُ، فِيهِ الْحَيَاةُ وَالثِّقَةُ وَالنَّجَاةُ وَالْعِصْمَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: إِذَا دَعَاكُمْ إِلَى الْحَرْبِ وَجِهَادِ الْعَدُوِّ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}، أَيْ: لِلْحَرْبِ الَّذِي أَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِهَا بَعْدَ الذُّلِّ، وَقَوَّاكُمْ بَعْدَ الضَّعْفِ، وَمَنَعَكُمْ بِهَا مِنْ عَدُوِّكُمْ بَعْدَ الْقَهْرِ مِنْهُمْ لَكُمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ بِالطَّاعَةِ، إِذَا دَعَاكُمُ الرَّسُولُ لِمَا يُحْيِيكُمْ مِنَ الْحَقِّ. وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ مَعْنَاهُ، كَانَ دَاخِلًا فِيهِ الْأَمْرُ بِإِجَابَتِهِمْ لِقِتَالِ الْعَدُوِّ وَالْجِهَادِ، وَالْإِجَابَةُ إِذَا دَعَاكُمْ إِلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ، وَفِي الْإِجَابَةِ إِلَى كُلِّ ذَلِكَ حَيَاةُ الْمُجِيبِ. أَمَّا فِي الدُّنْيَا، فَبَقَاءُ الذِّكْرِ الْجَمِيلِ، وَذَلِكَ لَهُ فِيهِ حَيَاةٌ. وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ، فَحَيَاةُ الْأَبَدِ فِي الْجِنَانِ وَالْخُلُودُ فِيهَا. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ الْإِسْلَامُ، فَقَوْلٌ لَا مَعْنًى لَهُ. لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ وَصَفَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}، فَلَا وَجْهَ لِأَنْ يُقَالَ لِلْمُؤْمِنِ: اسْتَجِبْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَا إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ. وَبَعْدُ، فَفِيمَا:- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا رُوحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُبَيٍّ وَهُوَ يُصَلِّي، فَدَعَاهُ: أَيْ أُبَيُّ ! فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ أُبَيٌّ وَلَمْ يَجُبْهُ. ثُمَّ إِنْ أُبَيًّا خَفَّفَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، أَيْ رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: وَعَلَيْكَ، مَا مَنَعَكَ إِذْ دَعَوْتُكَ أَنْ تُجِيبَنِي؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنْتُ أَصَلِّي! قَالَ: أَفَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ: " {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}"؟ قَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَا أَعُود». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُبَيٍّ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَصَرَخَ بِهِ [فَلَمْ يَجُبْهُ، ثُمَّ جَاءَ]، فَقَالَ: يَا أُبَيُّ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتُكَ؟ أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}؟ قَالَ أَبِيٌّ: لَا جَرَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَدْعُونِي إِلَّا أَجَبْتُ وَإِنْ كُنْتُ أُصَلِّي!» مَا يُبِينُ عَنْ أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِالْآيَةِ، هُمُ الَّذِينَ يَدْعُوهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَا فِيهِ حَيَاتُهُمْ بِإِجَابَتِهِمْ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ، لِأَنَّ أَبَيًّا لَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ذَكَرْنَا فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْإِيمَانِ، وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكُفْرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِّي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، قَالَ: بَيْنَ الْكَافِرِ أَنْ يُؤْمِنَ، وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَكْفُرَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِّيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنِي أَبُو زَائِدَةِ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْمُنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ، وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَضِيلٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِّيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْإِيمَانِ وَطَاعَةِ اللَّهِ. قَالَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكُفْرِ، وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَالْإِيمَانِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَطَاعَتِهِ، وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَمَعْصِيَتِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ أَبَى رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، بِنَحْوِهِ. قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ أَنْ يَكْفُرَ، وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ أَنْ يُؤْمِنَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ طَاعَةِ اللَّهِ، وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَمَعْصِيَةِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي رُوَّادٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، نَحْوَهُ. وَحُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ يَقُولُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي رَوَّادٍ يُحَدِّثُ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ فِي قَوْلِهِ: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَمَعْصِيَتِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، يَقُولُ: يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ، وَيَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، يَقُولُ: يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ طَاعَتِهِ، وَيَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ مَعْصِيَتِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ، وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ. قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، يَقُولُ: يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَبَيْنَ طَاعَتِهِ، وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ مَعْصِيَتِهِ. قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمَعَاصِي، وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَالْإِيمَانِ. قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، قَالَ: يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعَاصِي. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَعَقْلِهِ، فَلَا يَدْرِي مَا يَعْمَلُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَعَقْلِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، حَتَّى تَرَكَهُ لَا يَعْقِلُ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، قَالَ: هُوَ كَقَوْلِهِ "حَال"، حَتَّى تَرْكَهُ لَا يَعْقِلُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، قَالَ: إِذَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ قَلْبِكَ، كَيْفَ تَعْمَلُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ قَلْبِ الْكَافِرِ، وَأَنْ يَعْمَلَ خَيْرًا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، أَنْ يَقْدِرَ عَلَى إِيمَانٍ أَوْ كُفْرٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، قَالَ: يَحُولُ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَقَلْبِهِ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُؤْمِنَ وَلَا يَكْفُرَ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ قَلْبِهِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ أَظْهَرَهُ أَوْ أَسَرَّهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، قَالَ: هِيَ كَقَوْلِهِ: {أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}، [سُورَةُ ق: 16]. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ أَمْلَكُ لِقُلُوبِ عِبَادِهِ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا إِذَا شَاءَ، حَتَّى لَا يَقْدِرَ ذُو قَلْبٍ أَنْ يُدْرِكَ بِهِ شَيْئًا مِنْ إِيمَانٍ أَوْ كُفْرٍ، أَوْ أَنْ يَعِيَ بِهِ شَيْئًا، أَوْ أَنْ يَفْهَمَ، إِلَّا بِإِذْنِهِ وَمَشِيئَتِهِ. وَذَلِكَ أَنْ "الْحَوْلَ بَيْنَ الشَّيْءِ وَالشَّيْء"، إِنَّمَا هُوَ الْحَجْزُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا حَجَزَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْنَ عَبْدٍ وَقَلْبِهِ فِي شَيْءٍ أَنْ يُدْرِكَهُ أَوْ يَفْهَمَهُ، لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ إِلَى إِدْرَاكِ مَا قَدْ مَنَعَ اللَّهُ قَلْبَهُ إِدْرَاكَهُ سَبِيلٌ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، دَخَلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: "يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَفْرِ، وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَالْإِيمَان"، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: "يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَقْلِه"، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: "يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يُؤْمِنَ وَلَا يَكْفُرَ إِلَّا بِإِذْنِه"، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَالَ بَيْنَ عَبْدٍ وَقَلَبِهِ، لَمْ يَفْهَمِ الْعَبْدُ بِقَلْبِهِ الَّذِي قَدْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَا مُنِعَ إِدْرَاكَهُ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنْتُ. غَيْرَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَمَّ بِقَوْلِهِ: {وَاعَلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، الْخَبَرَ عَنْ أَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَقَلْبِهِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَا شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ، وَالْكَلَامُ مُحْتَمِلٌ كُلَّ هَذِهِ الْمَعَانِي، فَالْخَبَرُ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى يَخُصَّهُ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَاعْلَمُوا، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، أَيْضًا، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ: أَنَّ اللَّهَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى قُلُوبِكُمْ، وَهُوَ أَمَلُكُ بِهَا مِنْكُمْ، إِلَيْهِ مَصِيرُكُمْ وَمَرْجِعُكُمْ فِي الْقِيَامَةِ، فَيُوَفِّيكُمْ جَزَاءَ أَعْمَالِكُمْ، الْمُحْسِنَ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، فَاتَّقُوْهُ وَرَاقَبُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ هُوَ وَرَسُولُهُ أَنْ تُضَيِّعُوهُ، وَأَنْ لَا تَسْتَجِيبُوا لِرَسُولِهِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ، فَيُوجِبُ ذَلِكَ سَخَطَهُ، وَتَسْتَحِقُّوا بِهِ أَلِيمَ عَذَابِهِ حِينَ تُحْشَرُونَ إِلَيْهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ: "اتَّقَوْا"، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ "فِتْنَة"، يَقُولُ: اخْتِبَارًا مِنَ اللَّهِ يَخْتَبِرُكُمْ، وَبَلَاءً يَبْتَلِيكُمْ "لَا تُصِيبَن"، هَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِي حَذَّرْتُكُمُوهَا "الَّذِينَ ظَلَمُوا"، وَهُمُ الَّذِينَ فَعَلُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ فِعْلُهُ، إِمَّا أَجْرَامٌ أَصَابُوهَا، وَذُنُوبٌ بَيْنِهِمْ وَبَيْنَ اللَّهِ رَكِبُوهَا. يُحَذِّرُهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يَرْكَبُوا لَهُ مَعْصِيَةً، أَوْ يَأْتُوا مَأْثَمًا يَسْتَحِقُّونَ بِذَلِكَ مِنْهُ عُقُوبَةً. وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمُ الَّذِينَ عُنُوا بِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}، قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَلَيٍّ، وَعُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}، قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: لَقَدْ نَزَلَتْ وَمَا نَرَى أَحَدًا مِنَّا يَقَعُ بِهَا. ثُمَّ خُلِّفْنَا فِي إِصَابَتِنَا خَاصَّةً. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ عَوْفٍ أَبُو رَبِيعَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}، وَمَا نَظُنُّنَا أَهْلَهَا، وَنَحْنُ عُنِينَا بِهَ. قَالَ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ صَبْهَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ يَقُولُ: قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ زَمَانًا، وَمَا أَرَانَا مِنْ أَهْلِهَا، فَإِذَا نَحْنُ الْمَعْنِيُّونَ بِهَا: {وَاتَّقُوا فِتْنَهً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّهً}، قَالَ: هَذِهِ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ بَدْرٍ خَاصَّةً، وَأَصَابَتْهُمْ يَوْمَ الْجَمَلِ، فَاقْتَتَلُوا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، قَالَ: أَصْحَابُ الْجَمَلِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مُنْكُمْ خَاصَّةً}، قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يُقِرُّوا الْمُنْكِرَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَيَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ. قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}، قَالَ: هِيَ أَيْضًا لَكُمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مُنْكُمْ خَاصَّةً}، قَالَ: "الْفِتْنَة"، الضَّلَالَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 28]، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ: لَقَدْ خُوِّفْنَا بِهَا يَعْنِي قَوْلَهُ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: {اتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا}، قَوْلُهُ: "لَا تُصِيبَن"، لَيْسَ بِجَوَابٍ، وَلَكِنَّهُ نَهْيٌ بَعْدَ أَمْرٍ، وَلَوْ كَانَ جَوَابًا مَا دَخَلَتِ "النُّون". وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ قَوْلُهُ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا}، أَمَرَهُمْ ثُمَّ نَهَاهُمْ. وَفِيهِ طَرَفٌ مِنَ الْجَزَاءِ، وَإِنْ كَانَ نَهْيًا. قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ}، [سُورَةُ النَّمْلِ: 18]، أَمَرَهُمْ ثُمَّ نَهَاهُمْ، وَفِيهِ تَأْوِيلُ الْجَزَاءِ. وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُ: اتَّقُوا فِتْنَةً، إِنْ لَمْ تَتَّقُوهَا أَصَابَتْكُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، فَإِنَّهُ تَحْذِيرٌ مِنَ اللَّهِ، وَوَعِيدٌ لِمَنْ وَاقَعَ الْفِتْنَةَ الَّتِي حَذَّرَهُ إِيَّاهَا بِقَوْلِهِ: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً)، يَقُولُ: اعْلَمُوا، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، أَنَّ رَبَّكُمْ شَدِيدٌ عِقَابُهُ لِمَنِ افْتُتِنَ بِظُلْمِ نَفْسِهِ، وَخَالَفَ أَمْرَهُ، فَأَثِمَ بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا تَذْكِيرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُنَاصَحَةٌ. يَقُولُ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَاسْتَجِيبُوا لَهُ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ، وَلَا تُخَالِفُوا أَمْرَهُ وَإِنَّ أَمْرَكُمْ بِمَا فِيهِ عَلَيْكُمُ الْمَشَقَّةُ وَالشِّدَّةُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُهَوِّنُهُ عَلَيْكُمْ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ، وَيُعَجِّلُ لَكُمْ مِنْهُ مَا تُحِبُّونَ، كَمَا فَعَلَ بِكُمْ إِذْ آمَنْتُمْ بِهِ وَاتَّبَعْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ قَلِيلٌ يَسْتَضْعِفُكُمُ الْكَفَّارُ فَيَفْتِنُونَكُمْ عَنْ دِينِكُمْ، وَيَنَالُونَكُمْ بِالْمَكْرُوهِ فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَعْرَاضِكُمْ، تَخَافُونَ مِنْهُمْ أَنْ يَتَخَطَّفُوكُمْ فَيَقْتُلُوكُمْ وَيَصْطَلِمُوا جَمِيعَكُمْ (فَآوَاكُمْ)، يَقُولُ: فَجَعَلَ لَكُمْ مَأْوًى تَأْوُونَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ {وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ}، يَقُولُ: وَقَوَّاكُمْ بِنَصْرِهِ عَلَيْهِمْ حَتَّى قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ مَنْ قَتَلْتُمْ بِبَدْرٍ {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}، يَقُولُ: وَأَطْعَمَكُمْ غَنِيمَتَهُمْ حَلَالًا طَيِّبًا (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، يَقُولُ: لِكَيْ تَشْكُرُوهُ عَلَى مَا رَزَقَكُمْ وَأَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ نِعَمِهِ عِنْدَكُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي "النَّاس" الَّذِينَ عُنُوا بِقَوْلِهِ: {أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُفَّارُ قُرَيْشٍ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَوْلُهُ: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ}، قَالَ: يَعْنِي بِمَكَّةَ، مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَحُلَفَائِهَا وَمُوَالِيهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ أَوْ قَتَادَةَ أَوْ كِلَاهُمَا {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ} أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ بَدْرٍ، كَانُوا يَوْمَئِذٍ يَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَهُمُ النَّاسُ، فَآوَاهُمُ اللَّهُ وَأَيَّدَهُمْ بِنَصْرِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهِ غَيْرُ قُرَيْشٍ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ، سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ}، قَالَ: فَارِسُ. قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ: أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ، وَقَرَأَ: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ}، وَ" النَّاسُ " إِذْ ذَاكَ، فَارِسُ وَالرُّومُ. قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ}، قَالَ: كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْعَرَبِ أَذَلَّ النَّاسَ ذُلًّا وَأَشْقَاهُ عَيْشًا، وَأَجْوَعَهُ بُطُونًا، وَأَعْرَاهُ جُلُودًا، وَأَبْيَنَهُ ضَلَالًا [مَكْعُومِينَ، عَلَى رَأْسِ حَجَرٍ، بَيْنَ الْأَسَدَيْنِ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَلَا وَاللَّهِ مَا فِي بِلَادِهِمْ يَوْمَئِذٍ مِنْ شَيْءٍ يُحْسَدُونَ عَلَيْهِ]. مَنْ عَاشَ مِنْهُمْ عَاشَ شَقِيًّا، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ رُدِّيَ فِي النَّارِ، يُؤَكَّلُونَ وَلَا يَأْكُلُونَ، وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ قَبِيلًا مِنْ حَاضِرِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ كَانُوا أَشَرَّ مِنْهُمْ مَنْزِلًا حَتَّى جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، فَمَكَّنَ بِهِ فِي الْبِلَادِ، وَوَسَّعَ بِهِ فِي الرِّزْقِ، وَجَعَلَكُمْ بِهِ مُلُوكًا عَلَى رِقَابِ النَّاسِ. فَبِالْإِسْلَامِ أَعْطَى اللَّهُ مَا رَأَيْتُمْ، فَاشْكُرُوا اللَّهَ عَلَى نِعَمِهِ، فَإِنَّ رَبَّكُمْ مُنْعِمٌ يُحِبُّ الشُّكْرَ، وَأَهْلَ الشُّكْرِ فِي مَزِيدٍ مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: "عُنِيَ بِذَلِكَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ "، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُونُوا يَخَافُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَدْنَى الْكُفَّارِ مِنْهُمْ إِلَيْهِمْ، وَأَشَدَّهُمْ عَلَيْهِمْ يَوْمَئِذٍ، مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ، وَقِلَّةِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (فَآوَاكُمْ)، فَإِنَّهُ يَعْنِي: آوَاكُمْ الْمَدِينَةَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ}، بِالْأَنْصَارِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: (فَآوَاكُمْ)، قَالَ: إِلَى الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ {وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ}، وَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيَّدَهُمْ بِنَصْرِهِ يَوْمَ بَدْرٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}، يَعْنِي بِالْمَدِينَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ أَصْحَابِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ {لَا تَخُونُوا اللَّهَ}، وَخِيَانَتُهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، كَانَتْ بِإِظْهَارِ مَنْ أَظْهَرَ مِنْهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَانَ فِي الظَّاهِرِ وَالنَّصِيحَةَ، وَهُوَ يَسْتَسِرُّ الْكُفْرَ وَالْغِشَّ لَهُمْ فِي الْبَاطِنِ، يَدُلُّونَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى عَوْرَتِهِمْ، وَيُخْبِرُونَهُمْ بِمَا خَفِيَ عَنْهُمْ مِنْ خَبَرِهِمْ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَفِي السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي مُنَافِقٍ كَتَبَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ يُطْلِعُهُ عَلَى سِرِّ الْمُسْلِمِينَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُحْرِمِ قَالَ، لَقِيْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ فَحَدَّثَنِي قَالَ، حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ، فَأَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَاخْرُجُوا إِلَيْهِ وَاكْتُمُوا! "قَالَ: فَكَتَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ: " إِنَّ مُحَمَّدًا يُرِيدُكُمْ، فَخُذُوا حِذْرَكُمْ " ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ، فِي الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ بَنِى قُرَيْظَةَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، «قَوْلُهُ: " {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}"، قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ: إِنَّهُ الذَّبْحُ قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقَالَ، أَبُو لُبَابَةَ: لَا وَاللَّهِ، لَا أَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى أَمُوتَ أَوْ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيَّ! فَمَكَثَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى خَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ. فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ، قَدْ تِيبَ عَلَيْكَ! قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَحُلُّ نَفْسِي حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يَحُلُّنِي. فَجَاءَهُ فَحَلَّهُ بِيَدِهِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ بِهَا الذَّنْبَ، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي! قَالَ: " يُجْزِيكَ الثُّلْثُ أَنْ تَصَدَّقَ بِه». حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي قَتَادَةَ يَقُولُ: نَزَلَتْ: " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}" فِي أَبِي لُبَابَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ عُثْمَانَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ الْحَارِثِ الطَّائِفِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ الثَّقَفِيُّ، عَنِ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}" الْآيَةَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ خِيَانَتِهِ وَخِيَانَةِ رَسُولِهِ، وَخِيَانَةِ أَمَانَتِهِ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي غَيْرِهِ، وَلَا خَبَرَ عِنْدَنَا بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ بِصِحَّتِهِ. فَمَعْنَى الْآيَةِ وَتَأْوِيلُهَا مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}" قَالَ: نَهَاكُمْ أَنْ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ، كَمَا صَنَعَ الْمُنَافِقُونَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ. عَنِ السُّدِّيِّ: " {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}" الْآيَةَ، قَالَ: كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ فَيُفْشُونَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمُشْرِكِينَ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: " {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ، فَإِنَّ ذَلِكَ خِيَانَةٌ لِأَمَانَتِكُمْ وَهَلَاكٌ لَهَا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}"، فَإِنَّهُمْ إِذَا خَانُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَقَدْ خَانُوا أَمَانَاتِهِمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}"، أَيْ لَا تُظْهِرُوا لِلَّهِ مِنَ الْحَقِّ مَا يَرْضَى بِهِ مِنْكُمْ، ثُمَّ تُخَالِفُوهُ فِي السِّرِّ إِلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ هَلَاكٌ لِأَمَانَاتِكُمْ، وَخِيَانَةٌ لِأَنْفُسِكُمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ: " {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}"، فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الصَّرْفِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ *** عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ وَيُرْوَى: "وَتَأْتِي مِثْلَه". وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ، وَلَا تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}"، يَقُولُ: "لَا تَخُونُوا": يَعْنِي لَا تَنْقُصُوهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ، وَلَا تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَعْنَى: الْأَمَانَةِ، الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: " {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مَا يَخْفَى عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: " {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}"، وَ" الْأَمَانَةُ ": الْأَعْمَالُ الَّتِي أَمِنَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعِبَادَ يَعْنِي: الْفَرِيضَةَ. يَقُولُ: " لَا تَخُونُوا "، يَعْنِي: لَا تَنْقُصُوهَا. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ}"، يَقُولُ: بِتَرْكِ فَرَائِضِهِ "وَالرَّسُول"، يَقُولُ: بِتَرْكِ سُنَنِهِ، وَارْتِكَابِ مَعْصِيَتِهِ قَالَ: وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: " {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}"، وَالْأَمَانَةُ: الْأَعْمَالُ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْمُثَنَّى. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى "الْأَمَانَات"، هَهُنَا، الدِّينُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: " {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}" دِينُكُمْ "وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون"، قَالَ: قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ. وَقَرَأَ: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 142]. قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ، أَمِنَهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَى دِينِهِ، فَخَانُوا، أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَأَسَرُّوا الْكُفْرَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، لَا تَنْقُصُوا اللَّهَ حُقُوقَهُ عَلَيْكُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَلَا رَسُولَهُ مِنْ وَاجِبِ طَاعَتِهِ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَطِيعُوهُمَا فِيمَا أَمَرَاكُمْ بِهِ وَنَهَيَاكُمْ عَنْهُ، لَا تَنْقُصُوهُمَا "وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم"، وَتَنْقُصُوا أَدْيَانَكُمْ، وَوَاجِبَ أَعْمَالِكُمْ، وَلَازِمَهَا لَكُمْ "وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون"، أَنَّهَا لَازِمَةٌ عَلَيْكُمْ، وَوَاجِبَةٌ بِالْحُجَجِ الَّتِي قَدْ ثَبَتَتْ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: وَاعْلَمُوا، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، أَنَمَا أَمْوَالُكُمُ الَّتِي خَوَّلَكُمُوهَا اللَّهُ، وَأَوْلَادُكُمُ الَّتِي وَهَبَهَا اللَّهُ لَكُمْ، اخْتِبَارٌ وَبَلَاءٌ، أَعْطَاكُمُوهَا لِيَخْتَبِرَكُمْ بِهَا وَيَبْتَلِيَكُمْ، لِيَنْظُرَ كَيْفَ أَنْتُمْ عَامِلُونَ مِنْ أَدَاءِ حَقِّ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فِيهَا، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فِيهَا. "وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيم"، يَقُولُ: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ خَيْرٌ وَثَوَابٌ عَظِيمٌ، عَلَى طَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ، فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِكُمُ الَّتِي اخْتَبَرَكُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا. وَأَطِيعُوا اللَّهَ فِيمَا كَلَّفَكُمْ فِيهَا، تَنَالُوا بِهِ الْجَزِيلَ مِنْ ثَوَابِهِ فِي مَعَادِكُمْ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: " {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}"، قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ، فَمَنِ اسْتَعَاذَ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: " {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}"، قَالَ: "فِتْنَة"، الِاخْتِبَارِ، اخْتِبَارُهُمْ. وَقَرَأَ: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 35].
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ بِطَاعَتِهِ وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، وَتَرْكِ خِيَانَتِهِ وَخِيَانَةِ رَسُولِهِ وَخِيَانَةِ أَمَانَاتِكُمْ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا "، يَقُولُ: يَجْعَلُ لَكُمْ فَصْلًا وَفَرْقًا بَيْنَ حَقِّكُمْ وَبَاطِلِ مَنْ يَبْغِيكُمُ السُّوءَ مِنْ أَعْدَائِكُمُ الْمُشْرِكِينَ، بِنَصْرِهِ إِيَّاكُمْ عَلَيْهِمْ، وَإِعْطَائِكُمُ الظَّفَرَ بِهِم" وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ "، يَقُولُ: وَيَمْحُو عَنْكُمْ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكُمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَه" وَيَغْفِرُ لَكُمْ "، يَقُولُ: وَيُغَطِّيهَا فَيَسْتُرُهَا عَلَيْكُمْ، فَلَا يُؤَاخِذُكُمْ بِهَا" وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ "، يَقُولُ: وَاللَّهُ الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ بِكُمْ، لَهُ الْفَضْلُ الْعَظِيمُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى غَيْرِكُمْ مِنْ خَلْقِهِ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ وَفِعْلِ أَمْثَالِهِ. وَإِنَّ فِعْلَهُ جَزَاءٌ مِنْهُ لِعَبْدِهِ عَلَى طَاعَتِهِ إِيَّاهُ، لِأَنَّهُ الْمُوَفِّقُ عَبْدَهُ لِطَاعَتِهِ الَّتِي اكْتَسَبَهَا، حَتَّى اسْتَحَقَّ مِنْ رَبِّهِ الْجَزَاءَ الَّذِي وَعَدَهُ عَلَيْهَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْعِبَارَةِ عَنْتَأْوِيلِ قَوْلِهِ: "يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَخْرَجًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَجَاةً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَصَلًا. وَكُلُّ ذَلِكَ مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى، وَإِنِ اخْتَلَفَ الْعِبَارَاتُ عَنْهَا، وَقَدْ بَيَّنْتُ صِحَّةَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: الْمَخْرَجُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}" قَالَ: مَخْرَجًا. قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}"، قَالَ: مَخْرَجًا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَكَّامٌ عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "فُرْقَانًا"، مَخْرَجًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ "فُرْقَانًا"، قَالَ: مَخْرَجًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا هَانِئُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "فُرْقَانًا"، قَالَ: "الْفَرْقَان" الْمَخْرَجُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: "فُرْقَانًا"، يَقُولُ: مَخْرَجًا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "فُرْقَانًا"، مَخْرَجًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْبَصَرِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: "فُرْقَانًا"، قَالَ: مَخْرَجًا. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، سَمِعْتُ عُبَيْدًا يَقُولُ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: "فُرْقَانًا"، مَخْرَجًا. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: "الْفَرْقَان"، الْمَخْرَجُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ النَّجَاةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: " {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}"، قَالَ: نَجَاةً. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: " {يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}"، قَالَ عِكْرِمَةُ: الْمَخْرَجُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: النَّجَاةُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}"، قَالَ: نَجَاةً. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}"، يَقُولُ: يُجْعَلُ لَكُمْ نَجَاةً. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " {يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}"، أَيْ: نَجَاةً. ذِكْرُ مَنْ قَالَ فَصْلًا. " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}"، قَالَ: فَرْقَانٌ يُفَرِّقُ فِي قُلُوبِهِمْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، حَتَّى يَعْرِفُوهُ وَيَهْتَدُوا بِذَلِكَ الْفُرْقَانِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}"، أَيْ: فَصَلًا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، لِيَظْهَرَ بِهِ حَقُّكُمْ، وَيَخْفَى بِهِ بَاطِلُ مَنْ خَالَفَكُمْ. وَ "الْفَرْقَان" فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: " فَرَقْتُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَالشَّيْءِ أَفْرُقُ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَفُرْقَانًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُذَكِّرَهُ نِعَمَهُ عَلَيْهِ: وَاذْكُرْ، يَا مُحَمَّدُ، إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ كَيْ يُثْبِتُوكَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: "لِيُثْبِتُوك". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ لِيُقَيِّدُوكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوك"، يَعْنِي: لِيُوثِقُوكَ. قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "لِيُثْبِتُوك"، لِيُوثِقُوكَ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: " {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ}"، الْآيَةَ، يَقُولُ: لِيَشُدُّوكَ وَثَاقًا. وَأَرَادُوا بِذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ وَمَقْسَمٍ قَالَا قَالُوا: "أَوْثِقُوهُ بِالْوِثَاق". حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: "لِيُثْبِتُوك"، قَالَ: الْإِثْبَاتُ، هُوَ الْحَبْسُ وَالْوَثَاقُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ الْحَبْسُ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ قَوْلِهِ: "لِيُثْبِتُوك"، قَالَ: يَسْجُنُوكَ وَقَالَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: قَالُوا: "اسْجُنُوه". وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: لِيَسْحَرُوكَ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْوَسَاوِسِيِّ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الْمَطْلَبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ: «أَنَّ أَبَا طَالِبٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَأْتَمِرُ بِهِ قَوْمُكَ؟ قَالَ: يُرِيدُونَ أَنْ يَسْحَرُونِي وَيَقْتُلُونِي وَيُخْرِجُونِي! فَقَالَ: مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: رَبِّي! قَالَ: نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّكَ، فَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَسْتَوْصِي بِهِ! بَلْ هُوَ يَسْتَوْصِي بِي خَيْرًا "! فَنَزَلَتْ: " {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} "، الْآيَة». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: «لَمَّا ائْتَمَرُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقْتُلُوهُ أَوْ يُثْبِتُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ، قَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ: هَلْ تَدْرِي مَا ائْتَمَرُوا بِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: مَنْ أَخْبَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي! قَالَ: نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّكَ، اسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا! قَالَ: " أَنَا أَسْتَوْصِي بِهِ، أَوْ هُوَ يَسْتَوْصِي بِي؟ » وَكَأَنَّ مَعْنَى مَكْرِ قَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ لِيُثْبِتُوهُ، كَمَا:- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَحَدَّثَنِي الْكَلْبِيُّ، عَنْ زَاذَانَ مَوْلَى أَمِّ هَانِئٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَشْرَافِ كُلِّ قَبِيلَةٍ، اجْتَمَعُوا لِيَدْخُلُوا دَارَ النَّدْوَةِ، فَاعْتَرَضَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ شَيْخٌ مِنْ نَجْدٍ، سَمِعْتُ أَنَّكُمُ اجْتَمَعْتُمْ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَحْضُرَكُمْ، وَلَنْ يَعْدَمَكُمْ مِنِّي رَأْيٌ وَنُصْحٌ. قَالُوا: أَجَلْ، ادْخُلْ! فَدَخَلَ مَعَهُمْ، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى شَأْنِ هَذَا الرَّجُلِ، وَاللَّهِ لِيُوشِكَنَّ أَنْ يُواثِبَكُمْ فِي أُمُورِكُمْ بِأَمْرِهِ. قَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ: احْبِسُوهُ فِي وَثَاقٍ، ثُمَّ تَرَبَّصُوا بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ، حَتَّى يَهْلَكَ كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ، زُهَيْرٌ وَالنَّابِغَةُ، إِنَّمَا هُوَ كَأَحَدِهِمْ! قَالَ: فَصَرَخَ عَدُوُّ اللَّهِ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ فَقَالَ: وَاللَّهِ، مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ ! وَاللَّهِ لِيُخْرِجَنَّهُ رَبُّهُ مِنْ مَحْبِسِهِ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَلَيُوشِكَنَّ أَنْ يَثِبُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ فَيَمْنَعُوهُ مِنْكُمْ، فَمَا آمَنُ عَلَيْكُمْ أَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ! قَالُوا: فَانْظُرُوا فِي غَيْرِ هَذَا. قَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ: أَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ تَسْتَرِيحُوا مِنْهُ، فَإِنَّهُ إِذَا خَرَجَ لَنْ يَضُرَّكُمْ مَا صَنَعَ وَأَيْنَ وَقَعَ، إِذَا غَابَ عَنْكُمْ أَذَاهُ وَاسْتَرَحْتُمْ، وَكَانَ أَمْرُهُ فِي غَيْرِكُمْ. فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: وَاللَّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ، أَلَمْ تَرَوْا حَلَاوَةَ قَوْلِهِ، وَطَلَاقَةَ لِسَانِهِ، وَأَخْذَ الْقُلُوبِ مَا تَسْمَعُ مِنْ حَدِيثِهِ؟ وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ، ثُمَّ اسْتَعْرَضَ الْعَرَبَ، لِتَجْتَمِعَنَّ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ لِيَأْتِيَنَّ إِلَيْكُمْ حَتَّى يُخْرِجَكُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ وَيَقْتُلَ أَشْرَافَكُمْ! قَالُوا: صَدَقَ وَاللَّهِ! فَانْظُرُوا رَأْيًا غَيْرَ هَذَا ! قَالَ: فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ لَأُشِيرَنَّ عَلَيْكُمْ بِرَأْيٍ مَا أَرَاكُمْ أَبْصَرْتُمُوهُ بَعْدُ، مَا أَرَى غَيْرَهُ! قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: نَأْخُذُ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ غُلَامًا وَسِيطًا شَابًّا نَهْدًا، ثُمَّ يُعْطَى كُلُّ غُلَامٍ مِنْهُمْ سَيْفًا صَارِمًا، ثُمَّ يَضْرِبُوهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا قَتَلُوهُ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ كُلِّهَا، فَلَا أَظُنُّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يَقْدِرُونَ عَلَى حَرْبِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا، فَإِنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا ذَلِكَ قَبِلُوا الْعَقْلَ، وَاسْتَرَحْنَا وَقَطَعْنَا عَنَّا أَذَاهُ. فَقَالَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ: هَذَا وَاللَّهِ الرَّأْيُّ، الْقَوْلُ مَا قَالَ الْفَتَى، لَا أَرَى غَيْرَهُ! قَالَ: فَتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ مُجْمِعُونَ لَهُ، قَالَ: فَأَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمْرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ فِي مَضْجَعِهِ الَّذِي كَانَ يَبِيتُ فِيهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَأَذِنَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ "الْأَنْفَال"، يُذَكِّرَهُ نِعَمَهُ عَلَيْهِ، وَبَلَاءَهُ عِنْدَهُ: " {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}"، وَأَنْزَلَ فِي قَوْلِهِمْ: "تَرَبَّصُوا بِهِ رَيْبَ الْمَنُون" حَتَّى يَهْلَكَ كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ ": {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}، [سُورَةُ الطُّورِ: 30]. وَكَانَ يُسَمَّى ذَلِكَ الْيَوْمُ: " يَوْمَ الزَّحْمَةِ " لِلَّذِي اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مِنَ الرَّأْيِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ وَمِقْسَمٍ، فِي قَوْلِهِ: " {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ}" قَالَا تَشَاوَرُوا فِيهِ لَيْلَةً وَهُمْ بِمَكَّةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا أَصْبَحَ فَأَوْثِقُوهُ بِالْوِثَاقِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ اقْتُلُوهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ اخْرِجُوهُ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا رَأَوْا عَلِيًّا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَرَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عِيدٌ الرَّزَّاقُ قَالَ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى الْغَارِ، أَمَرَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَنَامَ فِي مَضْجَعِهِ، فَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَهُ، فَإِذَا رَأَوْهُ نَائِمًا حَسِبُوا أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَرَكُوهُ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُمْ بِعَلَيٍّ، فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي! قَالَ: فَرَكِبُوا الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ فِي طَلَبِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْجَزْرِيُّ: أَنَّ مِقْسَمًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ}"، قَالَ: تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوِثَاقِ يُرِيدُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ اقْتُلُوهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ أَخْرِجُوهُ. فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ، فَبَاتَ عَلَىٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا يَحْسَبُونَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي! فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ وَمَرُّوا بِالْغَارِ، رَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ، قَالُوا: لَوْ دَخَلَ هَهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجٌ عَلَى بَابِهِ! فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثً. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}"، قَالَ: اجْتَمَعَتْ مَشْيَخَةُ قُرَيْشٍ يَتَشَاوَرُونَ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا أَسْلَمَتِ الْأَنْصَارُ، وَفَرِقُوا أَنْ يَتَعَالَى أَمْرُهُ إِذَا وَجَدَ مَلْجَأً لَجَأَ إِلَيْهِ. فَجَاءَ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَدَخَلَ مَعَهُمْ فِي دَارِ النَّدْوَةِ، فَلَمَّا أَنْكَرُوهُ قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَاللَّهِ مَا كَلُّ قَوْمِنَا أَعْلَمْنَاهُمْ مَجْلِسَنَا هَذَا! قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، أَسْمَعُ مِنْ حَدِيثِكُمْ وَأُشِيرُ عَلَيْكُمْ! فَاسْتَحْيَوْا، فَخَلَّوْا عَنْهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: خُذُوا مُحَمَّدًا إِذَا اضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَاجْعَلُوهُ فِي بَيْتٍ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ وَ" الرَّيْبُ "، هُوَ الْمَوْتُ، وَ" الْمَنُون"، هُوَ الدَّهْرُ قَالَ إِبْلِيسُ: بِئْسَمَا قُلْتَ! تَجْعَلُونَهُ فِي بَيْتٍ، فَيَأْتِي أَصْحَابُهُ فَيُخْرِجُونَهُ، فَيَكُونُ بَيْنَكُمْ قِتَالٌ! قَالُوا: صَدَقَ الشَّيْخُ! قَالَ: أَخْرِجُوهُ مِنْ قَرْيَتِكُمْ! قَالَ إِبْلِيسُ: بِئْسَمَا قُلْتَ! تُخْرِجُونَهُ مِنْ قَرْيَتِكُمْ، وَقَدْ أَفْسَدَ سُفَهَاءَكُمْ، فَيَأْتِي قَرْيَةً أُخْرَى فَيُفْسِدُ سُفَهَاءَهُمْ، فَيَأْتِيكُمْ بِالْخَيْلِ وَالرِّجَالِ! قَالُوا: صَدَقَ الشَّيْخُ! قَالَ أَبُو جَهْلٍ وَكَانَ أَوْلَاهُمْ بِطَاعَةِ إِبْلِيسَ: بَلْ نَعْمِدُ إِلَى كُلِّ بَطْنٍ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ، فَنُخْرِجُ مِنْهُمْ رَجُلًا فَنُعْطِيهِمُ السِّلَاحَ، فَيَشُدُّونَ عَلَى مُحَمَّدٍ جَمِيعًا فَيَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَسْتَطِيعُ بَنُو عَبْدِ الْمَطْلَبِ أَنْ يَقْتُلُوا قُرَيْشًا، فَلَيْسَ لَهُمْ إِلَّا الدِّيَةُ! قَالَ إِبْلِيسُ: صَدَقَ، وَهَذَا الْفَتَى هُوَ أَجْوَدُكُمْ رَأْيًا! فَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ. وَأَخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَامَ عَلَى الْفِرَاشِ، وَجَعَلُوا عَلَيْهِ الْعُيُونَ. فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ، انْطَلَقَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى الْغَارِ، وَنَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الْفِرَاشِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ: " {لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ}" وَ" الْإِثْبَاتُ "،: هُوَ الْحَبْسُ وَالْوِثَاقُ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} [سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 76]، يَقُولُ: يُهْلِكُهُمْ. فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، لَقِيَهُ عُمَرُ فَقَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ الْقَوْمُ؟ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُمْ قَدْ أُهْلِكُوا حِينَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ أَظْهِرِهِمْ، وَكَذَلِكَ كَانَ يُصْنَعُ بِالْأُمَمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«أَخِّرُوا بِالْقِتَال»". حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوك"، قَالَ: كَفَّارُ قُرَيْشٍ، أَرَادُوا ذَلِكَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَانِئُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَعَلُوا ذَلِكَ بِمُحَمَّدٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: " {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ}"، الْآيَةَ، هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَكَرُوا بِهِ وَهُوَ بِمَكَّةَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: " {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ}"، إِلَى آخَرِ الْآيَةِ، قَالَ: اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: اقْتُلُوا هَذَا الرَّجُلَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَقْتُلُهُ رَجُلٌ إِلَّا قُتِلَ بِهِ! قَالُوا: خُذُوهُ فَاسْجُنُوهُ، وَاجْعَلُوا عَلَيْهِ حَدِيدًا. قَالُوا: فَلَا يَدَعُكُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ! قَالُوا: أَخْرِجُوهُ. قَالُوا: إِذًا يَسْتَغْوِي النَّاسُ عَلَيْكُمْ. قَالَ: وَإِبْلِيسُ مَعَهُمْ فِي صُورَةِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، وَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ أَنَّهُ إِذَا جَاءَ يَطُوفُ الْبَيْتَ وَيَسْتَلِمُ، أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ فَيُغَمُّوهُ وَيَقْتُلُوهُ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَهْلُهُ مَنْ قَتَلَهُ، فَيَرْضَوْنَ بِالْعَقْلِ، فَنَقْتُلُهُ وَنَسْتَرِيحُ وَنَعْقِلُهُ! فَلَمَّا أَنْ جَاءَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَغَمُّوهُ، فَأَتَى أَبُو بَكْرٍ فَقِيلَ لَهُ ذَاكَ، فَأَتَى فَلَمْ يَجِدْ مَدْخَلًا. فَلَمَّا أَنَّ لَمْ يَجِدْ مَدْخَلًا قَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ}، [سُورَةُ غَافِرٍ: 28]. قَالَ: ثُمَّ فَرَّجَهَا اللَّهُ عَنْهُ. فَلَمَّا أَنْ حَطَّ اللَّيْلُ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ، مَنْ أَصْحَابِكَ؟ فَقَالَ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ. فَقَالَ: لَا نَحْنُ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْكَ، يَا مُحَمَّدُ، هُوَ نَامُوسُ لَيْلٍ! قَالَ: وَأُخِذَ أُولَئِكَ مِنْ مَضَاجِعِهِمْ وَهُمْ نِيَامٌ، فَأَتَى بِهِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُدِّمَ أَحَدُهُمْ إِلَى جِبْرِيلَ، فَكَحَّلَهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ، فَقَالَ: مَا صُورَتُهُ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: كُفِيتَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ! ثُمَّ قُدِّمَ آخَرُ، فَنَقَرَ فَوْقَ رَأْسِهِ. بِعَصًا نَقْرَةً ثُمَّ أَرْسَلَهُ، فَقَالَ: مَا صُورَتُهُ يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: كُفِيْتَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ! ثُمَّ أُتِيَ بِآخِرَ فَنَقَرَ فِي رُكْبَتِهِ، فَقَالَ: مَا صُورَتُهُ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: كَفَيْتَهُ! ثُمَّ أُتِيَ بِآخِرَ فَسَقَاهُ مَذْقَةً، فَقَالَ: مَا صُورَتُهُ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: كَفَيْتَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ! وَأُتِيَ بِالْخَامِسِ، فَلَمَّا غَدَا مِنْ بَيْتِهِ، مَرَّ بِنَبَّالٍ فَتَعَلَّقَ مِشْقَصٌ بِرِدَائِهِ، فَالْتَوَى، فَقَطَعَ الْأَكْحَلَ مِنْ رِجْلِهِ. وَأَمَّا الَّذِي كُحِّلَتْ عَيْنَاهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ عَمِيَ. وَأَمَّا الَّذِي سُقِيَ مَذْقَةً، فَأَصْبَحَ وَقَدِ اسْتَسْقَى بَطْنُهُ. وَأَمَّا الَّذِي نُقِرَ فَوْقَ رَأْسِهِ، فَأَخَذَتْهُ النُّقْبَةُ وَ" النُّقْبَةُ "، قُرْحَةٌ عَظِيمَةٌ، أَخَذَتْهُ فِي رَأْسِهِ. وَأَمَّا الَّذِي طَعَنَ فِي رُكْبَتِهِ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ أُقْعِدَ. فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: " وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ". حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَوْلُهُ: "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين"، أَيْ: فَمَكَرْتُ لَهُمْ بِكَيْدِي الْمَتِينِ، حَتَّى خَلَّصَكَ مِنْهُمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلُهُ: " {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا}"، قَالَ: هَذِهِ مَكِّيَّةٌ قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: هَذِهِ مَكِّيَّةٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا: وَاذْكُرْ، يَا مُحَمَّدُ، نِعْمَتِي عِنْدَكَ، بِمَكْرِي بِمَنْ حَاوَلَ الْمَكْرَ بِكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ، بِإِثْبَاتِكَ أَوْ قَتْلِكَ أَوْ إِخْرَاجِكَ مِنْ وَطَنِكَ، حَتَّى اسْتَنْقَذْتُكَ مِنْهُمْ وَأَهْلَكْتُهُمْ، فَامْضِ لِأَمْرِي فِي حَرْبِ مَنْ حَارَبَكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَتَوَلَّى عَنْ إِجَابَةِ مَا أَرْسَلْتُكَ بِهِ مِنَ الدِّينِ الْقَيِّمِ، وَلَا يَرْعَبَنَّكَ كَثْرَةُ عَدَدِهِمْ، فَإِنَّ رَبَّكَ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ بِمَنْ كَفَرَ بِهِ، وَعَبَدَ غَيْرَهُ، وَخَالَفَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى "الْمَكْر" فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاذَا تُتْلَى عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا آيَاتُ كِتَابِ اللَّهِ الْوَاضِحَةُ لِمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لَفَهِمَهُ، قَالُوا جَهْلًا مِنْهُمْ، وَعِنَادًا لِلْحَقِّ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِي قَيْلِهِمْ "لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا"، الَّذِي تُلِيَ عَلَيْنَا "إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِين"، يَعْنِي: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَا هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. وَ "الْأَسَاطِير" جَمْعُ "أَسْطُر"، وَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ، لِأَنَّ وَاحِدَ "الْأَسْطُر" " سَطْرٌ "، ثُمَّ يُجْمَع" السَّطْرُ "، " أَسْطُرٌ "وَ" سُطُور"، ثُمَّ يُجْمَعُ "الْأَسْطُر" " أَسَاطِيرُ "وَ" أَسَاطِر". وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: وَاحِدُ "الْأَسَاطِير"، "أُسْطُورَة". وَإِنَّمَا عَنَى الْمُشْرِكُونَ بِقَوْلِهِمْ: "إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْآوَلِين"، إِنْ هَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي تَتْلُوهُ عَلَيْنَا، يَا مُحَمَّدُ، إِلَّا مَا سَطَّرَهُ الْأَوَّلُونَ وَكَتَبُوهُ مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ! كَأَنَّهُمْ أَضَافُوهُ إِلَى أَنَّهُ أَخَذَ عَنْ بَنِي آدَمَ، وَأَنَّهُ لَمْ يُوحِهِ اللَّهُ إِلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ: " {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا}"، قَالَ: كَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ يَخْتَلِفُ تَاجِرًا إِلَى فَارِسَ، فَيَمُرُّ بِالْعِبَادِ وَهُمْ يَقْرَأُونَ الْإِنْجِيلَ وَيَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ. فَجَاءَ مَكَّةَ، فَوَجَدَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ، فَقَالَ النَّضْرُ: "قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا!"، لِلَّذِي سَمِعَ مِنَ الْعِبَادِ. فَنَزَلَتْ: " {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا} "، قَالَ: فَقَصَّ رَبُّنَا مَا كَانُوا قَالُوا بِمَكَّةَ، وَقَصَّ قَوْلَهُمْ: إِذْ قَالُوا: "اللَّهُمَّ إِنَّ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِك"، الْآيَةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: كَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، يَخْتَلِفُ إِلَى الْحَيْرَةِ، فَيَسْمَعُ سَجْعَ أَهْلِهَا وَكَلَامَهُمْ. فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، سَمِعَ كَلَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنَ، فَقَالَ: " {قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}"، يَقُولُ: أَسَاجِيعُ أَهْلِ الْحَيْرَةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: «قَتَلَ النَّبِيُّ مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ صَبْرًا: عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، وَطَعِيمَةَ بْنَ عَدِيٍّ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ. وَكَانَ الْمِقْدَادُ أَسَرَ النَّضْرَ، فَلَمَّا أَمَرَ بِقَتْلِهِ، قَالَ الْمِقْدَادُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسِيرِي! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا يَقُولُ! فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ: أَسِيرِي! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اغْنِ الْمِقْدَادَ مِنْ فَضْلِكَ! " فَقَالَ الْمِقْدَادُ: هَذَا الَّذِي أَرَدْتُ! وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: " وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا "، الْآيَة». حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَةَ رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ صَبْرًا: الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيٍّ، وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ. قَالَ: فَلَمَّا أَمَرَ بِقَتْلِ النَّضْرِ، قَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ: أَسِيرِي، يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ مَا كَانَ يَقُولُ! قَالَ: فَقَالَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ اغْنِ الْمِقْدَادَ مِنْ فَضْلِكَ! وَكَانَ الْمِقْدَادُ أَسَرَ النَّضْر».
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاذْكُرْ، يَا مُحَمَّدُ، أَيْضًا مَا حَلَّ بِمَنْ قَالَ: " {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}"، إِذْ مَكَرْتَ بِهِمْ، فَأَتَيْتَهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَكَانَ ذَلِكَ الْعَذَابُ، قَتْلَهُمْ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَهَذِهِ الْآيَةُ أَيْضًا ذُكِرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: " {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ}"، قَالَ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: "إِنَّ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِك"، قَالَ: قَوْلُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ أَوْ: ابْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "اللَّهُمَّ إِنَّ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِك"، قَوْلُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ، مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ}"، قَالَ: هُوَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، يُقَالُ لَهُ النَّضِرُ بْنُ كَلَدَةَ: "اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم"، فَقَالَ اللَّهُ: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [سُورَةُ ص: 16]، وَقَالَ: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 94]، وَقَالَ: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ} [سُورَةُ الْمَعَارِجِ: 2]. قَالَ عَطَاءٌ: لَقَدْ نَزَلَ فِيهِ بِضْعَ عَشْرَةِ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: فَقَالَ يَعْنِي النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ! قَالَ اللَّهُ: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ}" الْآيَةَ، قَالَ: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: " {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ}"، الْآيَةَ قَالَ: قَالَ ذَلِكَ سُفَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَجَهَلَتُهَا، فَعَادَ اللَّهُ بِعَائِدَتِهِ وَرَحْمَتِهِ عَلَى سَفَهَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَجَهَلَتِهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ غِرَّةَ قُرَيْشٍ وَاسْتِفْتَاحَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، إِذْ قَالُوا: "اللَّهُمَّ إِنَّ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِك"، أَيْ: مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ " {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ}"، كَمَا أَمْطَرْتَهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ "أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم"، أَيْ: بِبَعْضِ مَا عَذَّبْتَ بِهِ الْأُمَمَ قَبْلَنَا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ "هُو" فِي الْكَلَامِ. فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: نُصِبَ "الْحَق"، لِأَنَّ "هُو" وَاللَّهُ أَعْلَمُ، حُوِّلَتْ زَائِدَةً فِي الْكَلَامِ صِلَةَ تَوْكِيدٍ، كَزِيَادَةِ "مَا"، وَلَا تُزَادُ إِلَّا فِي كُلِّ فِعْلٍ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ خَبَرٍ، وَلَيْسَ هُوَ بِصِفَةٍ، لِ "هَذَا"، لِأَنَّكَ لَوْ قُلْتَ: "رَأَيْتُ هَذَا هُو"، لَمْ يَكُنْ كَلَامًا. وَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْمُضْمَرَةُ مِنْ صِفَةِ الظَّاهِرَةِ، وَلَكِنَّهَا تَكُونُ مِنْ صِفَةِ الْمُضْمَرَةِ، نَحْوَ قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 76] وَ {خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ: 20]. لِأَنَّكَ تَقُولُ: "وَجَدْتُهُ هُوَ وَإِيَّاي"، فَتَكُونُ "هُو" صِفَةً. وَقَدْ تَكُونُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا غَيْرَ صِفَةٍ، وَلَكِنَّهَا تَكُونُ زَائِدَةً، كَمَا كَانَ فِي الْأَوَّلِ. وَقَدْ تَجْرِي فِي جَمِيعِ هَذَا مَجْرَى الِاسْمِ، فَيُرْفَعُ مَا بَعْدَهَا، إِنْ كَانَ بَعْدَهَا ظَاهِرًا أَوْ مُضْمَرًا فِي لُغَةِ بَنِي تَمِيمٍ، يَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ: "إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِك"، "وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمُون"، وَ" تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ وَأَعْظَمُ أَجْرًا "كَمَا تَقُولُ: " كَانُوا آبَاؤُهُمُ الظَّالِمُونَ "، جَعَلُوا هَذَا الْمُضْمَرَ نَحْو" هُوَ "وَ" هُمَا" وَ" أَنْتَ " زَائِدًا فِي هَذَا الْمَكَانِ، وَلَمْ تُجْعَلْ مَوَاضِعَ الصِّفَةِ، لِأَنَّهُ فَصْلٌ أَرَادَ أَنَّ يُبَيِّنَ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مَا بَعْدَهُ صِفَةً لِمَا قَبْلَهُ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَكُونُ لَهُ خَبَرٌ. وَكَانَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: لَمْ تَدْخُلْ "هُو" الَّتِي هِيَ عِمَادٌ فِي الْكَلَامِ، إِلَّا لِمَعْنًى صَحِيحٍ. وَقَالَ: كَأَنَّهُ قَالَ: "زَيْدٌ قَائِم"، فَقُلْتَ أَنْتَ: "بَلْ عَمْرٌو هُوَ الْقَائِم" فَ "هُو" لِمَعْهُودِ الِاسْمِ، وَ" الْأَلِفُ وَاللَّامُ "لِمَعْهُودِ الْفِعْلِ، [" وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ"] الَّتِي هِيَ صِلَةٌ فِي الْكَلَامِ، مُخَالَفَةٌ لِمَعْنَى "هُو"، لِأَنَّ دُخُولَهَا وَخُرُوجَهَا وَاحِدٌ فِي الْكَلَامِ. وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ "هُو". وَأَمَّا الَّتِي تَدْخُلُ صِلَةً فِي الْكَلَامِ، فَتَوْكِيدٌ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِمْ: "وَجَدْتُهُ نَفْسَه"، تَقُولُ ذَلِكَ، وَلَيْسَتْ بِصِفَةٍ "كَالظَّرِيف" وَ" الْعَاقِلِ ".
|